السؤال: ما رأيكم فيمن يأكل أجور العمال، مثلاً: من يريد تجديد الإقامة يأخذ منه مالاً، وعندما يريد السفر إلى أي مكان يلزمه ورقة من الكفيل، فيأخذ منه ثمن هذه الورقة، مثل العلماء الذين يعملون في الخارج؟
الجواب: الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يقول في الحديث القدسي: {
يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا}، ويقول تعالى: ((
وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً)) [الكهف:59]، ويقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
الظلم ظلمات يوم القيامة}.
ومن أعظم الظلم أكل أموال الناس بالباطل، وأكل حق الأجير ومال الأجير، ولنا عبرة في الذين أطبقت عليهم الصخرة، لما أحسن إلى الأجير،تضرع إلى الله، فكشف الله عنه هذه الصخرة، مع دعاء الآخرين.
هذه من الأمور التي أخذت صورة غريبة في واقعنا، وما كنا نظن أنها تصل إلى هذه الحالة، هي صورة الرق، ولكن في صورة عصرية، وأشبة بالرق، لما تجد من المرارة والشكوى التي اطلعت عليها وسمعتها منهم، ويمكن أن يكون في الخفاء ما هو أعظم من الشكاوى التي في مراكز العمل والعمال.
بعض العمال يشكو أنه لا يُعطى راتبه عدة أشهر، وبعضهم يعطى فقط مصروفاً معيناً على قدر النفقة، مثل الدابة تعطيها علفاً من أجل أن تعيش لتخدمك، أما يشعر الإنسان أن هذا الرجل وراءه أسرة، ووراءه التزام؟! وبعضهم يقول: إما أن تفعل كذا وإلا سفرتك! أصبحت وسيلة للتكسب، رق في صورة عصرية! يتكسب الإنسان بعرق عباد الله!
فنسأل الله أن يحفظ لنا هذه النعمة، فقد كان آباؤنا يخدمون في المدن، وبعضهم قطعوا البحار إلى
الحبشة وغيرها، يخدمون الناس مثل هؤلاء العمال ليحصلوا لقمة العيش، والآن نسينا لما أنعم الله علينا، وأصبحنا نتحكم في رقاب خلق الله من جميع البلاد.
وهذا الكلام أقصد به العمال المسلمين؛ لأن الكفار -أصلاً- لا يجوز دخولهم هذه البلاد، فالعمال كلهم يجب أن يكونوا مسلمين، وإذا كانوا كذلك فيجب أن نرفق بهم: {
والراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء}؛ لا تكلفوهم بما لا يطيقون، ولا تأمروهم بما يشق عليهم، ولا تظلموهم حقوقهم، وتجاوزوا عنهم، فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى جعل للمحسنين وللمقسطين منزلة لم يجعلها لأحد قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {
المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن يوم القيامة، وكلتا يديه يمين}.
فالإحسان إلى الناس والقسط والقيام بالعدل وإعطاء كل ذي حق حقه من سمات هذا الدين العدل، ومن الوصايا العشر، يقول تعالى: ((
وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى)) [الأنعام:152]، فإذا كان العدل في القول مطلوباً، فما بالك به في حقوق الناس؟!
لا شك أنه مطلوب أكثر وأكثر.
فلنتق الله في هؤلاء العمال، ولنحمد الله الذي أعطانا من الخير والنعمة ما جعلهم يأتوننا من أجل الحاجة إلى بلادنا، ونعوذ بالله أن يبتلينا بفقر يضطرنا إلى أن نذهب إلى بلادهم! فوالله لندفعَنَّ ديناً عظيماً لو حصل لنا هذا الشيء، وأكثرهم قلوبهم سوداء من جرَّاء ما يعانون من مرارة الألم من كثير من الناس في هذه البلاد، نسأل الله العفو والعافية!